تنمية روح الامتنان: منظور تحليل السلوك التطبيقي (ABA)

مع تغيّر الفصول واستعدادنا لموسم الشتاء، يوجّه شهر نوفمبر أذهاننا بشكل طبيعي نحو مفاهيم الشكر والامتنان. وبينما يُعَدّ قول "شكرًا" مهارة اجتماعية مهمة، فإننا في مركز ريتش نؤمن بضرورة التعمق أكثر. فماذا لو استطعنا أن نغرس في أنفسنا وأطفالنا موقفًا حقيقيًا ودائمًا من الامتنان؟

الامتنان ليس مجرد شعور، بل هو سلوك. ولأنّه سلوك، يمكن لمبادئ تحليل السلوك التطبيقي (ABA) أن تزودنا بإطار قوي لتعليم هذا السلوك، وتعزيزه، وتقويته في أنفسنا وأطفالنا على حد سواء.

لماذا الامتنان مهم: أكثر من مجرد أدب

تُظهر الأبحاث باستمرار أن ممارسة الامتنان تحمل فوائد عميقة، إذ يمكن أن:

  • تُحسّن الصحة النفسية والجسدية
  • تُنمّي التعاطف وتُقلل العدوانية
  • تُقوّي العلاقات الاجتماعية
  • تزيد من المرونة والسعادة العامة

بالنسبة لأطفالنا، وخاصة الذين يواجهون تحديات في التواصل أو التفاعل الاجتماعي، فإن فهم الامتنان والتعبير عنه يُعدّ عنصرًا أساسيًا في بناء علاقات ذات معنى مع من حولهم.

منهج تحليل السلوك التطبيقي في بناء الامتنان

يركّز تحليل السلوك التطبيقي على فهم كيفية تأثر السلوك بالبيئة. ومن خلال هذه المعرفة، يمكننا خلق بيئة يُنمذج فيها الامتنان، ويُحفَّز، ويُعزَّز، ليصبح جزءًا طبيعيًا ومتكرّرًا من حياتنا اليومية.

فيما يلي أربع طرق لتطبيق منهج الـ ABA في تعزيز روح الشكر والامتنان:

  1. كن نموذجًا محددًا للامتنان

يتعلّم الأطفال كثيرًا من خلال الملاحظة. بدلاً من قول جملة عامة مثل "أنا ممتن لعائلتي"، حاول أن تُظهر امتنانك بطريقة محددة تُبرز الجهد أو الأثر الإيجابي للفعل.

  • بدلًا من: "شكرًا على المساعدة."
  • قل: "شكرًا لأنك وضعت طبقك في غسالة الصحون، لقد ساعدتني كثيرًا ووفرّت علي وقتًا."
  • بدلًا من: "أحب هذه الرسمة."
  • قل: "شكرًا لأنك رسمت لي هذه الصورة، أرى أنك بذلت جهدًا كبيرًا في اختيار الألوان، وهذا أسعدني جدًا."

هذا النوع من المدح السلوكي المحدد لا يُنمذج الامتنان فحسب، بل يعزّز أيضًا السلوك الإيجابي الذي نرغب في رؤيته مرة أخرى.

  1. ابتكر طقسًا بصريًا للامتنان

الدعم البصري هو حجر أساس في منهج الـ ABA لأنه يجعل المفاهيم المجرّدة ملموسة. ويمكن لطقس بصري أن يوفّر فرصة يومية لممارسة الامتنان.

  • جرة الامتنان: ضع جرة وقطع ورق صغيرة في مكان مشترك بالمنزل. كل يوم، شجّع أفراد الأسرة على كتابة أو رسم شيء يشعرون بالامتنان نحوه، وضعوه في الجرة. يمكنكم قراءتها معًا في يوم الشكر أو نهاية الشهر.
  • شجرة الشكر: قصّ شكل شجرة من ورق بني وألصقها على الجدار. كل يوم، أضف "ورقة" من ورق ملون تحتوي على كلمة أو صورة تعبّر عن شيء تشكر عليه. راقب الشجرة وهي تمتلئ بالألوان على مدار الشهر!

توفّر هذه الطقوس تذكيرًا بصريًا، وتخلق نشاطًا أسريًا مشتركًا، كما تقدّم سجلًا ملموسًا لكل الأشياء الجميلة في حياتكم.

  1. استخدم أسلوب "التشكيل" لتعليم الامتنان

إذا كان الطفل يجد صعوبة في التعبير عن الشكر، يمكننا استخدام أسلوب التشكيل (Shaping)، وهو تعزيز الخطوات الصغيرة المتتالية نحو السلوك المستهدف.

  • الخطوة 1: عزّز أي رد فعل إيجابي عند تلقي شيء (مثل الابتسامة أو أخذ الشيء بلطف).
  • الخطوة 2: عزّز أي محاولة لفظية مثل "تا" أو "ثانك يو".
  • الخطوة 3: عزّز قول "شكرًا" بشكل واضح.
  • الخطوة 4: عزّز قول "شكرًا" بشكل تلقائي أو مع إضافة اسم الشخص أو ذكر الشيء المشكور عليه.

السرّ هو أن تلتقي بطفلك في المرحلة التي هو فيها، وتحتفل بكل خطوة صغيرة يتقدّمها.

  1. اربط الامتنان بالتعزيز الطبيعي

الهدف هو أن يصبح التعبير عن الامتنان معززًا بطبيعته، أي أن يشعر الطفل بالسعادة لمجرد القيام به. ولتحقيق ذلك، يمكننا إقران هذا السلوك بنتائج إيجابية طبيعية.

  • فعندما يقول الطفل "شكرًا" عند تلقي وجبة خفيفة، لا يحصل فقط على الوجبة (المعزز الأولي)، بل أيضًا على ابتسامة دافئة أو عبارة "على الرحب والسعة!" أو حضن محبّ. هذا الارتباط بين الشكر والمشاعر الإيجابية يعزّز سلوك الامتنان.
  • وشجّع الامتنان على أشياء غير مادية أيضًا، مثل: "شكرًا على النكتة الجميلة، جعلتني أضحك!" بهذا نربط الامتنان بالفرح والتفاعل الاجتماعي الإيجابي.

الامتنان رحلة، وليس محطة

بناء روح حقيقية من الامتنان يتطلّب وقتًا وممارسة. فالأمر يتعلق بتكوين عادة من ملاحظة وتقدير الأشخاص واللحظات والأشياء الإيجابية في حياتنا.

في هذا الشهر من نوفمبر، نشجّعك على تجربة إحدى هذه الاستراتيجيات. لاحظ التحوّلات الصغيرة التي تطرأ. فكلما مارسنا الامتنان وعزّزناه، ازدهر أكثر في حياتنا.